الأربعاء، 16 يونيو 2010


وهم النزاهة ونزاهة الوهم

أثبتت الأيام والوقائع أن قضاة مصر سقطوا ضحية وهم نزاهة القضاء المصرى .. المصطلح الذى تتناوله كل الألسنة وكأنه محتوى قدس الأقداس الذىيرفعهم إلى مصاف آلهه القانون.

النزاهة .. ما هى .. أليست هى التعفف عن كل نقيصة

أليست هى حالة توصف بها النفس البشرية التى يتحلها صاحبها بالقيم الحق والخير والجمال

أليست هى التعالى فوق أهواء النفس من حب السلطة والجاه التكبر

أليست هى فى حقيقتها العدالة بمفهومها الواسع لتحقيق المساواة بين الجميع بغض النظر عن التفاوت الطبقى والمفارقات الأجتماعية

وما معنى أن يوصف القضاء المصرى وحده بالنزاهة .. ألا يوجد قضاء نزيه إلا المصرى

وهل يحتاج القضاء النزيه لوصفه بالنزاهة حتى يعرف الناس أنه نزيه

إذا كان هذا الوصف يطلق على القضاء المصرى ليضفى على القضاة سيمات الإحترام بين طبقات المجتمع ، فلا معنى لذلك لأن احترام المواطن للقاضى يأتى أولاً وأخيراً من عدالة حكمه ، فعدالة حكم القاضى تجبر حتى من يحكم ضده باحترام القاضى الذى تقصى العدالة فى حكمه .. وهنا يقال هذا قاضى عادل هذا قاضى نزيه .. ولا يعمم القول حكما على مجموع الهيئة القضائية .. بمقولة نزاهة القضاء المصرى إلا إذا كنا نتحدث إلى بلهاء .. وهذه العدالة هى التى تضفى على القاضى الأحترام والوقار بل والتبجيل من أفراد المجتمع وطبقاته .. أما التعميم فيما لا يجوز فيه التعميم فهو أمر خاطىء يعطى من لا يستحق ما لا يستحق ويصل بضعاف النفوس إلى الظن بقدسية شخوصهم فى مواجهة العامة وباقى طبقات المجتمع.

فالتجاوزات التى يرتكبها بعض القضاة تفوق الحصر .. بل ويأباها أى ضمير حى ويستنكرها شرفاء القضاة أنفسهم .. ويكفى أن يستعرض أى منصف أحكام التعويض التى يحكم بها القضاء فى قضايا التعذيب ضد النظام .. وضئالة بل وتفاهة مبالغ التعويض التى يحكم بها فى قضايا تمس أخص وأسمى حقوق الإنسان – الحرية وسلامة الجسم - .. بل أن هناك من الأحكام ما يصيب المجتمع بالصدمة عند صدورها .. كما هو الحال فى الحكم الذى أصدره قاضى جنح سفاجة فى قضية غرق العبارة السلام ووفاة 1034 راكب ممن كانوا على متنها غرقاً حيث قضت المحكمة ببراءة كل من له صلة بالعبارة. وأسندت المسئولية الجنائية إلى القبطان لأنه في عداد الأموات.

نعم لقد صدم هذا الحكم المجتمع .. القضاة شريحة من المجتمع وإذا لم يستشعر القاضى مشاعر العدالة التى يتنسمها المجتمع وابتعد عنها بهذه الفجاجة فإنه يكون قد فقد أهم ما يميزه كخادم للعدالة وانسلخ عن النسيج الاجتماعى الذى ما ولى القضاء إلا ليحقق بين أفراده العدالة.

وما يتم ضبطه من قضايا رشاوى وفساد يتورط بها أعضاء فى النيابة والقضاء كثيرة ومتعددة والصحف مليئة بها .. والنتيجة المستخلصة من ذلك أن القاضى أولاً وأخيراً بشر إنسان ككل أفراد المجتمع .. فما الذى يدفع النظام إلى رفع طبقة القضاة فوق رقاب باقى طبقات المجتمع بغير حق .. وهل من الائق أن يقبل من يحمل بيده ميزان العدالة ذلك.

لقد سقط قضاة مصر فى أول محك حقيقيى لنزاهة القضاء المصرى .. تغاضوا عن امتهان كرامة المحامى وتقييد حريته والتعدى عليه بالضرب .. تغاضوا عن استغلال وكيل النيابة سلطته وإصدار أمره للحرس بتقييد حركة المحامى ثم انهال عليه ضربا وصفعا حتى مزق ملابسه .. وعندما رد المحامى بصفع وكيل النيابة دفاعاً عن نفسه استنفر القضاة كل أعراف الجاهلية واستنهضوا أسوأ المشاعر التى تتخفى فى السراديب السوداوية للنفس البشرية ، تناسوا أكلشيهات التحضر التى يتغلفون بها ، وحملوا راية الخصومة وراية الحكومة فى آن واحد .. على خلاف ما يقولون ويفعلون ، أسرعوا الخطى بل هرولوا بالتحقيقات لتنتهى فى زمن قياسى وتحال لجلسة فى زمن مرشح لموسوعة ((جينز)) ثم تأتى المهزلة الكبرى والحكم الصادم للمجتمع بحبس المحاميين خمس سنوات فى محاكمة هزلية تنفتفر لمبادىء العدالة والنزاهة .. منتهى الأستخفاف لا بالمحامين فقط وإنما بالمجتمع ككل .. فى حكم أصبح مادة للتندر على القضاء المصرى .

ليسأل القضاة أنفسهم .. وليسأل أعضاء النيابة أنفسهم .. ما هذا الصلف والكبرياء والتعالى الذى يتعاملون به مع الناس .. مع أفراد المجتمع العاديين الذين هم فى الأساس من يدفعون أجور ومرتبات ومكافآت وحوافز وتسالى وجمبرى وتكييفات وسيارات وشاليهات ونوادى السادة المستشارين وأعضاء النيابة .. أم هذه من الحقائق الغائبة عن سيادتهم .. ليسألوا أنفسهم عن الأسباب الحقيقية للفساد داخل السلطة القضائية .. بعيدا عن الشعارات والخطابات الجوفاء فى النوادى .. ما هذا التعالى والكبرياء .. هل هى سلطة ألالهية .. لقد انتهى عهد السلطة الألهية ..

نزاهة القضاء المصرى .. شىء يدعوا للآسى .. ألا تقتضى النزاهة أن يكون الإنسان نزيه طول الوقت .. كيف يدعى النزاهة من يتلبسها لبعض الوقت .. كيف يدعى النزاهة من يؤمها أو يوليها ظهرة حسبما تقتضى الظروف بعد أن ماتت العدالة فى قلبه .. وشيعت ودفنت بقايا إدعاءات النزاهة على مرآى ومسمع من المجتمع

فى دولة تدعى احترام القانون يكون الكل أمامه سواء بداية من رئيس الدولة وحتى أقل أفرادها شأناً .. وإلا ستستمر هذه المهزلة وغيرها من المهازل التى يفرزها هذا النظام الفاسد ..

يا قضاة مصر أليس منكم رجل رشيد ، أفيقوا من وهم النزاهة .. قبل أن تسقطوا فى نزاهة الوهم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق