السبت، 31 مارس 2012

الشبعة بعد جوعة !


صحيح البغل أكبر وأقوى من أبوه -الحمار- وأجلد من أمه -المهرة- لكنه أغبى من الأثنين وشديد العناد لأنه لا عقل له

كتب إبراهيم عيسى مقال فى التحرير بعنوان - الشبعة بعد جوعة !
المقال وصف دقيق لفكر وحال سياسات جماعة الأخوان المسلمين التى يصوغها مكتب الإرشاد فى انفصال تام عن فكر وتوجه جيل كامل من شباب الجماعة وانفصال أكمل وأتم عن مصلحة الوطن ..
وأقول - قبل نشر المقال - ذكرتنى الحقائق الفجة التى ساقها عن ممارساتهم الكذوبة بتجربة شخصية عاصرتها أثناء عملى - فى إحدى الإنتخابات البرلمانية - وكيف عقد الأخوان مع أحد الأحزاب اتفاقاً أقسموا فيه الإيمان على تنفيذ تفاهماً معيناً .. ثم انقلبوا على ذلك الإتفاق بعد أن أقصوا من ماطق ولجان محددة .. نقضوا ما تعاهدوا وأقسموا عليه بمنتهى البساطة بحجة أن من اتفق وأقسم على المصحف لم يتواجد فى مكان التنفيذ فيكون اتفاقه وقسمه غير ملزم لمن حل محله فى الدائرة .. لا أقصد هنا نشر الواقعة ولا تسمية أبطالها ولكن الشاهد أن الكذب ونقض العهد دينهم ودنياهم .. حاجة مقرفه !!
والأن إلى المقال النارى
يسألنى كثيرون عن هجومى على جماعة الإخوان (أنا لا أهاجم أحدا، أنا أحكى وأحلّل وأعرض وأعارض)، وكيف كنت طيلة السنوات الماضية أدافع عنهم فى مواجهة نظام مبارك كأننى -من وجهة نظر السائلين- قد تحولت وتغيرت، ومن ثم لا بد من سر؟

سأعتذر أولا أن كلمة «أنا»، وياء النسب سوف تظهر فى هذه السطور كثيرا، فالحديث كله حول الذات وهو ما يستوجب الاعتذار، ثم ثانيا أجيب بمنتهى الوضوح أننى لم أتغير ولم أتحول فى موقفى إطلاقا، أحترم جهاد الإخوان وتضحياتهم، وأحتفظ بحب عمبيق لكثير منهم، وأذكر تاريخهم أكثر من أبنائهم، كان هذا ولا يزال وسيظل. لقد كنت أدافع عن جماعة الإخوان ضد الاستبداد والظلم والاعتقالات والحبس (سميتها الجماعة المحبوسة أحيانا)، وضد المطاردة والملاحقة لهم فى الرزق والمال، وضد تحويلهم إلى المحاكمات العسكرية، وهاجمنا معاملة النظام الفظة واللا إنسانية فى إهدار كرامة زوجات وأمهات وبنات الإخوان.

ويا حول الله! يظهر أن الأخوات الآن قد نسين، بدليل تصريحات نون النسوة فى الجماعة، التى تمشى كلها فى سكة إذكاء النار كأرامل الثأر فى الصعيد، ودليلى الست مسؤولة المرأة فى حزب الحرية والعدالة التى لم تتورع بأخلاقيات الأخوات الرفيعة عن اتهام نساء مصر الحرائر بأنهن مأجورات ويعملن لخدمة أجندة أجنبية، وقد كان عين كلام العادلى وعمر سليمان ضد الإخوان أنفسهم طيلة السنوات الماضية، وكنت ضد تزوير الانتخابات ضدهم وإسقاطهم لصالح مرشحى الوطنى المزورين والفاسدين، وكنت أطالب بحقهم فى العمل السياسى وحريتهم كاملة غير منقوصة، كتبت فى هذا عشرات المقالات ومئات العناوين وأفردت مئات الصفحات ووقّعت على البيانات التى لم يوقّع عليها غيرنا من معارضى مبارك نساند الإخوان فى محنتهم، ووقفت بقلمى وكتبى وصحافتى بجانب خيرت الشاطر فى محبسه وعصام العريان فى سجنه، وكل اسم إخوانى، مسنًّا أو شابًّا، تعرض لظلم أو لحبس، ووضعت صورهم فى الصفحات الأولى واستضفت على صفحات الجريدة مقالات منتظمة لأكبر وأهم أسماء قيادات إخوانية (وبالمناسبة مقالات ودراسات مطولة لعبود الزمر وطارق الزمر وهما فى سجنهما)، وخضت معارك من أجل حق الإسلاميين الأصيل فى الحرية، وتعرضت لاتهامات مقذعة بأننى أتلقى تمويلا من الإخوان لإصدار جورنال «الدستور» الذى شرفت برئاسة تحريره مع ناشر ومالك الصحيفة عصام إسماعيل فهمى، صديقى الشجاع والشهم أخى الكبير الجدع الذى تحمل من مبارك وعصره الكثير من الظلم والبشاعة وواجه كل هذا بقوة صلبة وببطولة فريدة، كل هذا ليس منًّا ولا أذى ولا تفضلا ولا مجاملة ولا جميلا للإخوان بل هو مبدأ وواجب لا ينتظر جزاء وشكورا ولا يريد ولا يطيق سماع كلمة مدح على هذه المواقف، فالمدح ينتقص من نقاء المقاصد!

هذا موقف مبدئى، ففضلا عن أننى ألزمت به نفسى مع أى معارض شخصا أو جهة فى مواجة الظلم والاستبداد (لا أريد أن أستثير ذاكرة أحد بعدد المقالات التى كتبتها عن المعتقلين من الجماعات الإسلامية فى سجون مبارك، فهى كلها موجودة فى الأرشيف وفى كتبى المنشورة دليلا حيا وقرينة لا تموت)، ولكننى سأزيدك من الشعر بيتا، فإن الإخوان رغم هذا الموقف المبدئى الواحد الواضح الذى تجسد فى الصحيفة التى ترأست تحريرها وفى كتبى ومقالاتى لم أجدهم فى يوم من أيام مبارك سندا ولا عونا ولا متضامين معى ولا مع الجريدة فى كل ما تعرضت له فى هذه الفترة من محاكمات وأحكام، وأتحدى لو كان إخوانى واحد قد شارك فى فريق الدفاع عن الصحيفة وعنى فى أى قضية، وكان فريقا متغير الأسماء فى الغالب لكنه يضم أعظم محامى مصر والعالم العربى فى المكانة والقيمة والمهنة (طبعا الأساتذة المرموقون أصحاب الفضل من سليم العوا ومختار نوح وعصام سلطان ومنتصر الزيات، لا يمكن أن نحسبهم على جماعة الإخوان)، ولا يوجد إخوانى واحد وقّع على بيان لإدانة محاكمتى أو الحكم بسجنى، ولا أصدر مكتب الإرشاد فى يوم من الأيام كلمة عن صاحب هذه السطور فى أى محنة قانونية وسياسية تعرضت لها مع الجريدة التى كانت متهمة بأنها مدعومة من الإخوان، وما زلت أذكر الغالى محمد عبد القدوس أنبل صحفى فى مصر (وهو عندنا جميعا لا علاقة له بالجماعة بل هو جماعة وحده)، وقد صارحنى بأن قياديا من الإخوان كان يكتب مقالا أسبوعيا فى الجريدة يطلب أجرا على مقالاته، فضحكت وقلت له متهكما: «معقولة الإخوان اللى الدنيا كلها بتقول إنهم ممولين الجورنال عايزين منه فلوس؟ خلاص يخصموها من التمويل»، كان معظم كتاب الجريدة يومها لا يتقاضون جنيها ولا قرشا منها، بل يشاركون نضالا وشرفا وتشريفا لهذه التجربة التى غيرت شكل الصحافة المصرية ورفعت سقف الحرية إلى عنان السماء، وحطمت كل الخطوط الحمراء التى كان البعض يخشاها مرتعبا ومذعورا ومدعيا الحياد المهنى ليختبئ تحت المكتب من قصف النظام له بالمحاكمات والمطارادت، ويبدو أن الأفاقين الذين ينافقون الإخوان اليوم كما كانوا ينافقون صفوت الشريف وزكريا عزمى هم أنسب الناس للتعامل مع هذه الجماعة، كما كانوا أنسب الناس للتعامل مع مباحث أمن الدولة! ولكن أكثر من ذلك كله أن الإخوان حين تم السطو على تجربة جريدة الدستور فى صفقة رجال أعمال مع جهاز أمن الدولة وتضامن معنا كل شريف فى مصر وأدان الجميع هذا الاعتداء السافر على حرية جريدة، فإن جماعة الإخوان المسلمين لم تنطق بكلمة إدانة لما جرى أو أعلنت ولو إيماء بأى تضامن مع الصحفيين الذين اعتصموا فى النقابة فى إرهاصة رائعة عما جرى بعدها فى ثورة يناير من جيل جديد ومختلف يقود البلد إلى الثورة، لم يظهر الإخوان ولم يتضامنوا ولم ينتصروا لحرية الجريدة وصحفييها، بل أسوأ من ذلك فقد تعاون الإخوان مع المالكين الجدد وكتبوا المقالات فيها كأنه ولا يفرق معهم تغييب جريدة مقاتلة دافعت عنهم يوم كان الكل يرميهم بالقمامة، لقد كان الإخوان أحرص على المالك الجديد ومصالحهم معه من التضامن مع أصحاب المبادئ والمواقف!

ورغم ذلك فإن موقفى وزملائى مع الإخوان لم يتغير أبدا فى الدفاع عن حقهم وحريتهم، وسأكرر ما فعلت بذات الدرجة ونفس الحماس لو تعرض الإخوان لما تعرضوا له فى عصر مبارك بصرف النظر عن أن هذه الجماعة أثبتت للجميع أنها بتاعة مصلحة، بل وبتاعة مصلحتها، ولا حافظت على صديق ولا اهتمت بأن يحترمها خصم!

وكنت -مع غيرى- نعتقد أن الإخوان أكثر ذكاء من حرق سمعتهم بلهفة وتقليدهم الأعمى للحزب الوطنى، كأن الزنازين التى أغلقت عليهم كل هذه السنين أوقعتهم فى هوى الخاطف والغرام بالسجان فتمثلوه وقلدوه وصار كل همهم بعد الثورة هو التمكن من السلطة، فتخلوا عن مبادئ الثورة بل وحاربوا الثوار بأحقر التهم وأشنع الصفات وخذلوهم فى كل موقعة وباعوهم فى كل موقف ولم يعتبروا أى قيمة للدم المهدر المراق فى محمد محمود ولا للجثث المسحولة فى ميدان التحرير ولا للبنات المنتهك شرفها على قارعة الطرق، وتركز كل همهم فى تضليل الناس بدعاوى كَذُوب فى استفتاء 19 مارس، حيث أصدروا البيانات ووزعوا المنشورات وحولوا مواقعهم وتعليقات جمهورهم ولجانهم الإلكترونية على الإنترنت إلى ألسنة حداد يسلقون بها المعارضين لسياستهم، ويطعنون فى إيمان القوى المختلفة بالكفر والإلحاد، ويستخدمون دعاية رخيصة تتكرر الآن وستتكرر فى استفتاء الدستور القادم أن الذى يقول «نعم» يقولها للجنة، والذى يقول «لا» فهو إلى النار، وقد كذب الإخوان على مدى العام الماضى كذبا ينافس كل أكاذيب السياسة منذ ثورة عرابى، فقالوا إنهم لن يشاركوا فى الانتخابات البرلمانية إلا بثلاثين فى المئة من المقاعد، وبعدين صارت أربعين ثم صارت مئة فى المئة، وقالوا إنهم يسعون للوفاق وللمشاركة لا المغالبة، ثم كشّروا عن أنيابهم وعصفوا بالجميع، وكان انقلابهم على الدكتور محمد البرادعى آية فى النذالة السياسية، ثم تعامل الإخوان فى الانتخابات البرلمانية بأكثر الجرائم السياسية شيوعا وذيوعا من إنفاق المال السياسى إلى التضليل والتزوير الدعائى ضد الخصوم إلى حشد الأصوات بكل الطرق غير المستقيمة، ونجحوا بالاكتساح الذى أرادوه، وكتبنا نعلن أنه أهلا بالإخوان وبحثنا فيهم عن كل معنى إيجابى يمكن أن يفيد الوطن ويحترم الحرية، لكنهم لم يبذلوا أى جهد حتى للتجمل، فقد كوشوا على كل شىء، وبدت جماعة الشبعة بعد جوعة، وقاموا بالإقصاء والإزاحة للمعارضين واغتيال سمعتهم بنفس طريقة أمن الدولة، ويمارسون فى البرلمان نفس أسلوب الحزب الوطنى فى الهيصة والرذالة والتسخيف والتهييج على كل مختلف معهم، ويرمون بكلام معارضيهم فى سلة المهملات، ولا كأن حد قال حاجة، وينفذون خططهم فى مكتب الإرشاد أيا كان موقف غيرهم، بل ويفصلون شبابهم الذى يبدى هامشا من الاستقلال للحفاظ على آدميتهم بدلا من أن يكونوا قطيعا يتم جره فى ساقية معمًى ومغمًى، وكتبنا ندعو لتسليم المجلس العسكرى السلطة لرئيس البرلمان فهاجمونا وقالوا إننا نوقع بينهم وبين حبيبهم حليفهم نصيرهم كفيلهم العسكرى، وطالبنا بأن يشكل «الحرية والعدالة» الحكومة، فخرج علينا من يتهمنا بأننا نورطهم ونحرجهم، وها هم يطالبون بها الآن لا لشىء إلا لابتزاز سياسى يريدون به شيئا فى المقابل، ثم جاءت لجنة الدستور لتقدم الإخوان على حقيقتهم جماعة أنانية سياسيا ضيقة الصدر والأفق، سجينة داخل مصالحها، نهمة للغنائم ومستثارة للاستحواذ على كل شىء متعجلة ونافدة الصبر، أعجبتهم كثرتهم وغرتهم أصوات الناخبين وفى المقابل تبدى حركة النهضة فى تونس انفتاحا واحتواء وتنورا واجتهادا لإنقاذ الثورة وجمع الشمل وإنجاح الوطن، رغم أنها كذلك حركة إسلامية وإخوانية المنشأ، لكن يجلس على رأسها مفكر وفقيه لا واعظ متوسط القدرات مثل مرشد مصر، أو مهندس كخيرت الشاطر، لعله لم يلتقِ منذ ثلاثين عاما مواطنا مصريا من خارج الإخوان المسلمين إلا ضباط مباحث أمن الدولة، فأصبحت جماعتنا فى مصر مثالا للاستحواذ والتكويش ونفى الآخر وشهوة السلطة وشهية الحكم، فكانت للأسف كل تجاربنا مع الإخوان خلال العام المنصرم سيئة وسلبية ومخيبة للآمال، وأسوأ ما فى هذه الخيبة أنها كشفت ضعف كفاءتهم السياسية، ونحول قدراتهم الفكرية وهشاشة مبادئهم، فكان لزاما علينا أن ننقدهم ونعارضهم إذا كنا ندّعى أننا أصحاب مبادئ (لا بأس، لتبدأ فرق اللجان الإلكترونية وغيرها معزوفة حسب الله السادس عشر فى الشتم والطعن والبذاءة ضدنا).

مع المظلوم ندافع عنه وننتصر له، ومع الظالم نواجهه ونرده عن ظلمه، لهذا دافعنا عن الإخوان حين كان لا بد أن ندافع، ونعارضهم الآن حيث إنه واجب وطنى وحق شعبنا علينا وإملاء ضميرنا على قلمنا، نحن فى الحقيقة نتقرب إلى الله عز وجل بمعارضة الإخوان.
http://cutt.us/FJbL