الاثنين، 29 أغسطس 2011

حتى لا نلعن الثورة




حتى لا نلعن الثورة
تخيل أن ابنتك أو شقيقتك أو زوجتك .. تسير فى طريق فيفاجأها بلطجى  يشهر فى وجهها السلاح فيقتل فى نفسها كل ما أحست به أو عرفته من الطمأنينة من قبل ثم إن كان فى عجلة من أمره أو يحظى ببعض الضمير أو داخل فى الكار جديد يقوم بسلب ما تحمله من مال وخلافه .. وفى حالة أكثر وقاحة وسماجة ربما تحسسها .. والفاجعة أن تكتمل المأساة باغتصابها
ماذا سيكون رد فعلك تجاه مثل هذا الموقف وماذا تسطيع أن تفعل بكل رجولتك فى مقابل نظراتها المهانة المنكسرة التى تطالبك بحقها – حتى وهى تدرك أنك لا تستطيع شيئا – لكنه قدرك فأنت الرجل .. هل ستأمن على ابنتك وهى ذاهبة إلى المدرسة أو على طفلتك وفى أذنها قرط ذهبى ربما يودى بحياتها وهو لا يساوى جنيهات.
هل شاهدت يوما معركة – نعم معركة – تدور فى الشارع بين البلطجية ، أو حتى بين من ليسوا بلطجية ، ستصاب بالهلع عندما ترى كمية الأسلحة البيضاء – سيوف وسنج وسكاكين – وتصاب بالهلع والصمم من أصوات الطلقات النرية التى ستنطلق فى كل اتجاه لاتفرق بين المتشاجرين وغيرهم من المتفرجين أو حتى القابعين فى بيوتهم
مذا تفعل وأنت تقف فى طابور العيش تنتظر دورك لتحصل على عدة أرغفة مدعمة بين جحافل أخوانك المواطنين بعرقهم وسماجة بعضهم وحرالشمس يلفح الجميع فلا تعرف إن كان ما يسيل منك أو عليك هو عرقك أو عرق من يلاصقك ويلتحم بك  ، ثم وبلا أدنى حياء أو خشية أو مواربه ترى الدقيق المدعم خارجاً من المخبز ويحمل على سيارة لا تخفى أرقامها تحمله وتنسل بعيداً كما تسلل منا حلم ذلك الرغيف البلدى الذى كانت رائحته كافية لفتح شهيتك ويأتيك موزعه لحد باب البيت .
ويحدث معك مثل هذا فى محطة الوقود تقف فى طابور طويل تستجدى عدة لترات من السولار أو البزين 80 فإذا حصلت عليها – لو وصلك الدور قبل أن تعلن المحطة نفاذ الوقود – تدفع ثمنا حدده صاحب المحطة بمعرفته الشخصية بناء على قانون العرض والطلب الذى يطبق عليك أنت فقط بينما هو يحصل عليه بالسعر الرسمى ، ومع ذلك تشاهد بعينك سيارات تنكات كبيرة تسبقك لتحول حلم حصولك على البنزين إلى وهم .. هذا فى حالة إذا ما وصل الوقود إلى المحطة ، لأنه فى الغالب يتم توجيه ناقلة الوقود لجهة أخرى تفرغ بها حمولتها بدلاً من المحطة التى تقضى بها أنت نصف نهارك .
ثم تجد الدنيا وقد تحولت من حولك إلى سباق مسعور بين التجار لرفع أسعار السلع الغذائية بصفة خاصة لأنك لا تستغنى عنها وهم يعرفون ذلك وستشتريها مرغما ، بل ورفع أسعار كل شىء من المنتجات الرديئة التى تنتج فى ورش تحت السلم والبضائع الصينى الدرجة الثالثة .. وأنت مضطر أيضاً لشرائها ليس عن حب ورغبة ولكنك مقهور مستغل حتى النخاع ولكنها هى فقط التى يمكنك الحصول عليه مع القدر التافه الذى تبقى من دخلك المتهالك
ماذا تفعل وقد تحالف عليك المستوردون والمنتجون وقد تسابقوا فى احتكار السلع وتعطيش السوق للحصول على أكبر قدر من الأرباح قبل أن تستيقظ الدولة من نومها الذى راحت فى ثباته بعد ثورة 25 يناير
ماذا تفعل وأنت لا تستطيع أن تمشى فى الطريق بعد أن سده عليك الباعة ، ولا تستطيع أن تتنفس بعد أن قام جارك بتعديل منزلة وسد عنك الهواء وقام أخر بالبناء أمام باب منزلك وسد عنك حتى منفذ الدخول وأخر نفق كلبه فدفنه تحت شباكك فى مقلب الزبالة السرطانى

ماذا تفعل إذا فاجأتك جموع همجية تقطع عليك طريق سفرك يلوحون فى وجهك بالهراوات إن أنت لم تستجيب للأوامرهم بالتوقف لأنهم بكل بساطة قطوا الطريق ولن يمر أحد لأن سيارة فرمت دجاجة لهم على الطريق .. أو لأى سبب آخر مهما كان . فتتذكر الأفلام التى كانت تحكى عن ممارسات الخمير الحمر فى كمبوديا.
ماذا تفعل عندما ترى إنسان جائع يندفع بكل أنانيه إلى التهام  ذراعه  بدلاً من البحث عن طعام .. أليس هذا ما يفعله الناس الأن وهم يتسابقون فى البناء على الأراضى الزراعية ويقضون على حلم أجيال قادمة من حقها أن تحيا بكرامة على هذه الأرض .
ماذا تفعل عندما تستغيث برجل الشرطة الذى يشاهد التعدى عليك ولا يحرك ساكناً ، والموظف الذى يستحل راتبه الشهرى ويؤدى الصلاة فى وقتها ولكنه يستثقل أن يخرج الختم من درج مكتبه ويستسهل التأجيل لغدا – الذى لا يأتى أبداً
ماذا تفعل فى هذا الكم الهائل من أجهزة الدولة وموظفيها الذين قاربوا على أربعة ملايين ولايؤدون عملاً ولاينجزون مهمة .. ولكنهم يطالبون بالحوافز قبل الراتب الأساسى .. لايحافظون على حق للمواطنين بينما يحفظون عن ظهر قلب أذكار الصباح والمساء.
إذا ما هو الحل لتلك المشاكل ..
لا تتعب نفسك .. أقولك أنا الحل والعجيب أنه حل بسيط فى خطوتين :
الخطوة الأول : تحديد الأسباب الأساسية بشكل دقيق التى تؤدى إلى تلك المشاكل وهى تتلخص فى  :
  1. انفلات وغياب أمنى واضح.. أعمال بلطجة وتعدى على المواطنين
  2. ضعف قبضة الدولة فى الشارع   وضعف أو بالأحرى انعدام رقابة الدولة على أجهزتها الإدارية
  3. استغلال الأوضاع من ضعاف النفوس وخرق القوانين والتعدى على أملاك الدولة والأراضى الزراعية
الخطوة الثانية : وهى تنبع من عدة حقائق أهمها
- أن النفس أمارة بالسوء .. وهى لاتنزع نحو الصلاح بدافع ذاتى  وإنما تحتاج إلى رادع وزاجر ولذا فقد فرض الله الحدود للردع وإصلاح الأحوال بين الناس .. وقد استقر فى الوجدان أن الله سبحانه وتعالى يزع بالسلطان ما يزع بالقرآن ..
- أن هناك إجراءات تتخذها الدول المغرقة فى الديمقراطية وكذلك الدول المغرقة فى الشمولي للتغلب على فترات الأزمات الغير عادية ، فى الولايات المتحدة الأمريكية إذا وقعت أحداث غير عادية ( كارثة طبيعية مثلا) يتم الأستعانة بقوات الحرس الوطنى لفرض النظام ويكون من صلاحياتها إطلاق النار على من يرتكب أعمال السلب والنهب وغيرها فى غياب السلطات العادية ، وفى الصين لم يتم القضاء على انتشار تجارة وتعاطى الأفيون إلا بعد تصعيد العقوبة إلى الإعدام
- أن الظروف الأستثنائية لا يمكن مواجهتها والسيطرة عليها بالقوانين العادية .. وبما أن البلاد تمر بظروف استثنائية فالعلاج يجب أن يكون استثنائياً أيضاً
إذا عرف ذلك فإن الحل فى منتهى البساطة والوضوح لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد وأراد بحق أن تنجح هذه الثورة وتزدهر البلاد وترقى ..
إنه  قرار بقانون من ثلاثة مواد فقط .. أتمناه وأنتظر أن يصدر من المجلس العسكرى  .. يمكن أن يصاغ هكذا :
حيث تلاحظ أن قوى الظلام وضعاف النفوس قد استغلوا مناخ الحرية التى حرمت منها الجماهير لسنوات طويلة  فى غير الصالح العام بما يهدد أمن واستقرار البلاد ونجاح وتحقيق أهداف الثورة
المجلس الأعلى للقوات المسلحة
قرار بقانون رقم ( .. )
يعطل العمل بأى قانون مخالف للنصوص التالية فترة العمل بها .
يعرض هذا القرار على مجلس الشعب القادم فى أول جلساته بعد انتخاب رئيس الجمهورية لإقرار استمرار العمل به أو ببعض نصوصه أو إلغاء العمل به
مادة (1) يعاقب بالإعدام كل من يرتكب جريمة من الجرائم التالية :
  1. حمل أو إحراز سلاح نارى أو مواد متفجرة بدون ترخيص
ويمنح فترة سبعة أيام من تاريخ نشر القرار يعفى خلالها من يتقدم من تلقاء نفسه إلى السلطات المختصة ويسلم ما بحوزته من سلاح أو مواد متفجرة
  1. ترويع المواطنين بارتكاب أعمال البلطجة والتعدى على الأرواح والممتلكات بغرض فرض السطوة أوالسرقة أوفرض الرأى أو انتصاراً المذهب أو فئة أو ديانة  وذلك باستخدام أى نوع من الأسلحة أو إشعال النيران أو بمجرد الأستقواء بالزيادة العددية والقوة البدنية إذا نتج عن هذه الأفعال موت شخص أو إصابة أشخاص أو اتلاف الممتلكات الخاصة والعامة ودور العبادة أو قطع الطرق وتعطيل المواصلات العامة أو الإتصالات السلكية واللاسلكية . ويعاقب بذات العقوبة كل من حرض على هذه الأعمال سواء بالقول أو الفعل أو المال.
  2. تهريب السلع المدعمة والأتجار بها فى السوق السوداء وبيعها لغير مستحقيها أو لخلاف الغرض المخصصه له واحتكار السلع الإستراتيجية والتلاعب بالأسعار والمعروض منها فى الأسواق بغرض تحقيق أرباح إضافية للمحتكر
مادة (2) يعاقب بالسجن عشرة سنوات وبالمصادة ورد الشىء إلى أصله وغرامة تعادل قيمة المخالفة كل من ارتكب فعلاً من الأفعال التالية اعتباراًمن يوم   25 يناير  2011:
  1. التعدى على الأراضى الزراعية بالبناء أو التجريف بدون ترخيص
  2. البناء فى المناطق السكنية أو تعديل أو زيادة ارتفاع البناء بدون ترخيص
  3. التعدى على الأملاك العامة وأراضى الدولة بدون ترخيص
  4. التعدى على المرافق العامة وإشغال الطرق والميادين بدون ترخيص بما
وتمنح فترة ثلاثون يوما من تاريخ نشر القرار لإعادة الوضع إلى مكان عليه وإعادة استزراع الأرض الزراعية
مادة (3) :
  1. يجرد من رتبته ويفصل من العمل بصفة نهائية كل موظف عمومى أو شخص ذو صفة عمومية ارتكب الأفعال التالية :
أ‌)       المساعدة أو التحريض أو تسهيل ارتكاب جريمة من الجرائم السابقة المنصوص عليها فى المادتين 1-2  مع عدم الإخلال بالعقوبة المقررة فى قانون العقوبات عن الفعل الذى قام به
ب‌)    الأهمال أو التقصير فى ضبط تلك الجرائم متى كانت فى دائرة اختصاصه ووصلت إلى علمه .
  1. يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل من تعرض للمختصين عند تنفيذ القرارت السابقة والأحكام القضائية المترتبة عليها .. وإذا ترتب على التعرض تهييج الجماهير أو إصابة أحد المختصين أو موت شخص أو إصابة أشخاص أو اتلاف الممتلكات الخاصة والعامة ودور العبادة أو قطع الطرق وتعطيل المواصلات العامة أو الإتصالات السلكية واللاسلكية . ويعاقب بذات العقوبة كل من حرض على هذه الأعمال سواء بالقول أو الفعل أو المال.
مادة (3) :
  1. تخصص دائرة جنائية أو أكثر فى المحاكم الكلية للنظر فى هذه الجرائم على أن تصدر الأحكام فى مدة لا تزيد عن عشرة أيام من تاريخ الضبط
  2. تخصص الدوائر اللازمة بمحكمة النقض للبت فى طعون الأحكام فى مدة لا تزيد عن عشرة أيام
  3. على دار الإفتاء بعد إحالة الأوراق إليها فى أحكام الإعدام أن تصدر توصيتها فى مدة لا تزيد عن عشرة أيام
هذا هو التصور للحل .. وربما يصاغ بطريقة أخرى
                                                                    والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل .


hashtagTwitter#SoAsNotToCurseTheRevolution

الخميس، 18 أغسطس 2011

بأى ذنب قتلت


هدير سليمان
.. قتلها قناص برصاصة فى الرقبة وهى تقف بشرفة منزلها
هدير عادل سليمان، 13 عاما 
طالبة بالمرحلة الإعدادية، تسكن في شارع أحمد زكي بحي المعادي بالقاهرة، لديها 3 إخوة هي أكبرهم، استشهدت يوم "جمعة الغضب" 28 يناير وهي تقف في شرفة منزلها؛ حيث اصطادها أحد قناصة قوات أمن قسم شرطة وتأمين المعادي برصاصة اخترقت رقبتها فسال الدم من فمها.
 
قالت والدة هدير : " الرصاصة جت فى رقبة هدير.. كان فى مظاهرة سلمية فيها حوالى ألف شاب وبيهتفوا سلمية سلمية.. هدير خرجت لتشاهدهم ولو كنت عارفة إنها هتموت مكنتش طلعتها البلكونة".

حملها والدها مسرعا في محاولة لإنقاذها، بعد أن أغرقت بدمائها البيت، لكن رجال الشرطة أوقفوه وهددوه بالقتل، قال لهم: "ابنتي تموت بين يدي.. لم تفعل شيئا"، فردوا عليه "مش كانت بتتفرج.. خليها تتفرج".
بعد مضي ساعات تمكن والدها من نقلها لمستشفى القوات المسلحة بالمعادي الساعة 9 مساءا وتم إدخالها غرفة العمليات لكن فاضت روحها إلى الله، مازالت أختها الصغرى رقية تسأل "أين هدير". ووالدها يسأل "بأي ذنب قتلت".

والسؤال لوزير الداخلية الحاج عيسوى ورئيس الوزراء عصام شرف والمجلس العسكرى حاكم البلاد .. هذه الطفلة بأى ذنب قُتلت .. ودمها فى رقبة مين .. من أمر بالقتل أم من نفذ الأمر أم من تستر على القاتل أم من أهمل فى البحث عن القانل ؟؟؟

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

هل تحقيق الأمن ممكن


هل تحقيق الأمن ممكن ؟؟  ( الصورة مقتبسة من Facebook )
هل تحقيق الأمن والإنضباط شىء ممكن أم هو صعب أم هو مستحيل ؟؟
هذا سؤال يراود كل المصريين .. حتى الخارجين على القانون راودهم هذا التساؤل بعد أن قام بعض الأهالى فى المنشية بمدينة دسوق باستأجار بلطجى للتخلص من بلطجى فقتلوه ومثلوا بجثته !
وعلى الرغم من أن حالة الإنفلات الأمنى تبدوا متضخمة ومستعصية على الحل العاجل إلا أن الإجابة على السؤال السابق هى بنعم
نعم إن تحقيق الأمن والإنضباط شىء ممكن ..
كيف يتم ذلك ؟؟؟
ببساطة .. المجلس العسكرى ( الإرادة السياسية )  ووزير الداخلية ممثل السلطة التنفيذية وقبضة القانون لو أرادوا جميعاً وبصدق تحقيق الأمن  يستطيعوا ذلك خلا 24 ساعة .. وكل من له عقل ويعيش الواقع يعرف حقيقة ذلك.
هل هذه حقيقة ؟؟
نعم وللغرابة الشديدة جداً أنها حقيقة !!
إذا ما المطلوب .. المطلوب :
  1. أن تتجه الإرادة السياسية نحو تحقيق الأمن .. وبالتالى يتم التوجه إلى تحقيق ذلك فى التكليفات
المشهد على أرض الواقع ينبىء بهذه الحقيقة .. إن عملية تأمين مبارك ونجلية وزوجاتهم والسيدة سوزان تتم بمنتهى الدقة والحزم والعناية .. وكذلك تأمين السفارة الإسرائيلية .. والأمثلة على ذلك كثيرة .. وأخرها تأيمن زيارة السيدة سوزان لنجليها فى طره.
إن من يقومون على عمليات التأمين هذه ليسوا رجال من المريخ إنهم نفس رجال الشرطة الذين يقفون موقف المتفرج فى مواقف عديدة مخزية تنتهك فيها حرمة المواطن وحرمة القانون .
  1. أن يتخذ المجلس العسكرى بما له من صلاحيات فى إصدار اقوانين – خاصة وأن قانون الطوارىء مازال ساريا – أن يتخذ من التدابير ويسن من القوانين ما يرسخ استعادة الأمن بفرض عقوبات صارمة على أعمال البلطجة والنهب والسرقة بإكراه وتحت تهديد السلاح ووالخطف والأغتصاب .. ولا مانع أن تصل العقوبات للإعدام فى هذه الظروف المؤقته - والمجتمع عن بكرة أبيه يرحب بمثل هذه قوانين - أضف إلى ذلك جرائم سرقة وتهريب السلع المدعومة واحتكار السلع الإستراتيجية والمضاربة بأسعارها .. وتهريب الأموال والمخدرات والسلاح وكل الجرائم التى تمس بأمن المجتمع فى هذه الظروف !!
إذا هل يستطيع وزير الداخلية تحقيق الأمن إذا توافرت الإرادة السياسية .. نعم يسطيع .. كيف :
أولاً : يجب أن تتحول العقيدة ويتغير الخطاب الموجه من الوزير وقيادات الوزارة إلى الضباط والأفراد .. والأعتراف بالحقائق التى أفرزتها الثورة
ليس من المعقول أن تكون عقيدة ضباط وأفراد الداخلية حتى اليوم .. أنهم ضحية الثورة وأنهم – حتى من قام منهم بقتل المواطنين – كانوا يؤدون واجبهم .. هذه العقيدة رسخها من أول يوم وزير الداخلية محمود وجدى فى اجتماعة مع قيادات الداخلية حين قال : أديهم شهرين ثلاثة وبعد كده بالجزمة .. وهذا ما نقله على الفور لرجاله مدير أمن البحيرة الذى أكد أن الشرطة أسياد الناس واللى يمد أيده على سيدة نقطعها له.. ثم ثار على نهجها الوزير الحالى اللواء العيسوى وتبنى منطق الدفاع المحض عن رجال اشرطة دون فرز أو تفرقه بين المخطأ وغير المخطأ.
نسوا جميعاً أن مهمتهم الأولى أمن وحماية المواطن الذى يدفع من قوته وعرقه مرتباتهم وتكاليف معيشتهم بما فيها أجهزة التكييف والسيارات الفارهة وحتى مريب عسكرى المراسلة .. وادعوا أنهم كانوا ينفذون الأوامرونسوا أيضا أنه لا يجوز قانوناً تنفيذ الأمر المخالف للقانون .. وأنه لا يوجد فى قوانين الشغب ولا تعليمات فض المظاهرات أى بند ينص على إطلاق الرصاص الحى على المتظاهر الأعزل .. أقصى ما هنالك هو استعمال الخرطوش وفى حالات خاصة وبتعليمات محددة الرصاص المطاطى .. ولكن فى الحالتين يكون التصوييب فى القدمين .. أما القنص المباشر بالرصاص الحى فلا مكان له وإذا صدرت به اوامر من حق المتلقى أن يمتنع عن تنفيذ الأمر لأنه مخالف للقانون
وتحول العقيده هذه لا يتم إلا بالأعتراف بارتكاب الخطأ والتحول إلى انتهاج الطريق الصحيح .. وهو الأمر الذى يتيح للمواطنين حتى الموتورين منهم فرصة ومجال للسماح وربما التنازل عن كثير من الحقوق والملاحقات فى سبيل استعادة الأمن ... لأن فى نهاية المطاف رجال الشرطة بكل رتبهم ودرجاتهم هم أبناء هذا الشعب ومن كل طبقاته.
ثانياً : الشرطة هيئة نظامية يقوم بنانها الوظيفى على الطاعة وتنفيذ الأمر وفقاً لنظام هرمى
وإذا صدرت تعليمات الوزير بالعودة الجادة للعمل سيتم تنفيذ ذلك والوزارة لديها من الآليات وجهات الرقابة ما يمكنها من تنفيذ ذلك وللمجلس الأعلى للشرطة من السلطات ما يمكنه من وضع هذه التعليمات موضع التنفيذ
وهناك عدة خطوات بديهية لو تم اتخاذها فإنها ستعطى أحساس قوى ومباشر للمواطن بعودة الأمن .. ومنها :
  1. عودة المرور بإيجابية .. وهو أمر يرحب به كل قائد سيارة وكل سائر على قدميه فى الطريق .. وكذلك عودة مرور الطرق السريعة – الذى تتولاه الإدارة العامة للمرور
  2. المسجلين خطر والبلطجية .. وهم أشخاص معلوم هويتهم جيداً ويكادوا يكونوا محصورين تماما ومعروف أماكن إقامتهم .. ويستطيع رئيس المباحث فى كل قسم أو مركز وبمنتهى السهوله السيطرة عليهم وتحديد إقامتهم فى أماكن إقامتهم والقانون ولوائح الأمن العام تعطيهم  صلاحية لأعتقال المخلين بالأمن العام جنائياً حت لو لم يستطع أن يضبطهم فى جريمة معينة
  3. الباعة الجائلين والإشغالات فى الطرق ويتم ذلك بالتعاون مع إدارات المرافق المدنية بمجالس القرى .. والموضوع فى منتهى البساطة لأن الباعة يحملون تراخيص بمزاولة المهنة ومن يمتلكون أكشاك يمتلكون تراخيص بإقامتها
ومع ضبط هذه المجالات العاجلة للأمن يمكن أن يتسع الوقت قليلاً لاستعادة كل مجالات الأمن
هذا مع افتراض منتهى حسن النية
أما مع افتراض سوء النية والتواطؤ . وهو ما نراه حتى الأن
 فإن حسبنا الله ونعم الوكيل ونطلب من الله القادر على كل شى أن ينتقم من كل من يضمر لهذا البلد وشعبه السوء مهما كان منصبه أو موقعه أو رتبته .. إنه ولى ذلك والقادر عليه .. قولوا آمين

الجمعة، 12 أغسطس 2011

وهم الخلافة الأسلامية


وهم الخلافة الأسلامية
التاريخ الدموى للخلافة الإسلامية الذى كان سبباً أساسياً من أسباب تدهور الحضارة الإسلامية لم يكن إلا نتيجة حكم الفرد الذى نصب نفسه ظل الله فى الأرض .. والله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك ولم يترك الإنسان لرقابة ضميره فقط لأنه أعلم بضعف النفس البشرية ولوأن الضمير وحده  يصلح رقيباً على أفعال المسلم – أى لو أن هذه حقيقة – ما كان هناك حاجة لإنزال عقوبات حدية وتعزيرية لما يرتكبه المسلم من جرائم.
فحتى لا يتحول الحاكم إلى طاغية يجب وضع آليات لمحاسبته ورقابته ومنعه من تجاوز ما تحدده النصوص الدستورية له من حدود لسلطاته.
يدعى السلفيون أن المسلمون عاشوا أزهى عصورهم وحكموا العالم وأبدعوا حضارتهم العظيمة عندما كانوا يعيشون فى ظل الخلافة الإسلامية التى تحكم بشريعة الله.. فى العصر الحديث نجح الاستعمار فى إسقاط الخلافة وتلويث عقول المسلمين بالأفكار الغربية، عندئذ تدهورت أحوالهم وتعرضوا إلى الضعف والتخلف.. الحل الوحيد لنهضة المسلمين هو استعادة الخلافة الإسلامية
 هذه الجملة يرددها بعض خطباء المساجد وأعضاء الجماعات الإسلامية، ولا شك أن كثير من المسلمين فى مصر يؤمنون بصحة هذه المقولة مما يجعل من الواجب مناقشتها.. الحقيقة أن الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا فى المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة.. يكفى أن نذكر حضارة الأندلس.
الجزء الأول من الجملة عن عظمة الحضارة الإسلامية صحيح تماما.. المشكلة فى الجزء الثانى.. هل كانت الدول الإسلامية المتعاقبة تطبق مبادئ الإسلام سواء فى طريقة توليها الحكم أو تداولها السلطة أو معاملتها للرعية..؟!..
إن قراءة التاريخ الإسلامى تحمل لنا إجابة مختلفة.. فبعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» لم يعرف العالم الإسلامى الحكم الرشيد العادل الا لمدة 31 عاما، هى مجموع فترات حكم الخلفاء الراشدين الأربعة: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب.. الذين حكموا جميعا لمدة 29 عاما ( 11هـ- 40هـ). ثم الخليفة الأموى عمر بن عبدالعزيز الذى حكم لفترة عامين (99هـ- 101هـ).. 31 عاما فقط من 14 قرنا من الزمان، كان الحكم خلالها عادلاً رشيداً نقيا متوافقا مع مبادئ الإسلام الحقيقية. أما بقية التاريخ الإسلامى فإن نظام الحكم فيه لم يكن متفقا قط مع مبادئ الدين.. حتى خلال الـ31 عاما الأفضل حدثت مخالفات من الخليفة عثمان بن عفان، الذى عاب عليه معارضوه أنه لم يعدل بين المسلمين وآثر أقاربه بالمناصب والعطايا، فثار عليه الناس وقتلوه، ولم يكتفوا بذلك بل هاجموا جنازته وأخرجوا جثته واعتدوا عليها حتى تهشم أحد أضلاعه وهو ميت..
 ثم جاءت الفتنة الكبرى التى قسمت المسلمين إلى ثلاث فرق (أهل سنة وشيعة وخوارج)، وانتهت بمقتل على بن أبى طالب، وهو من أعظم المسلمين وأفقههم وأقربهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) على يد أحد الخوارج وهو عبدالرحمن بن ملجم. ثم أقام معاوية بن سفيان حكما استبداديا دمويا أخذ فيه البيعة من الناس كرهاً لابنه يزيد من بعده ليقضى إلى الأبد على حق المسلمين فى اختيار من يحكمهم ويحيل الحكم من وظيفة لإقامة العدل إلى ملك عضوض (يعض عليه بالنواجذ)، والقارئ لتاريخ الدولة الأموية ستفاجئه حقيقة أن الأمويين لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل المحافظة على الحكم.. فقد هاجم الأمويون المدينة المنورة وقتلوا كثيرا من أهلها لإخضاعهم فى موقعة الحرة( واستباحوا المدينة ثلاثة أيام نهبا وحرقاً وسرقة واغتصاباً ) . بل إن الخليفة عبدالملك بن مروان أرسل جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف لإخضاع عبدالله بن الزبير الذى تمرد على الحكم الأموى، واعتصم فى المسجد الحرام.. ولقد حاصر الحجاج مكة بجيشه وضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت بعض أركانها، ثم اقتحم المسجد الحرام وقتل عبدالله بن الزبير داخله.. كل شىء إذن مباح من أجل المحافظة على السلطة حتى الاعتداء على الكعبة، أقدس مكان فى الإسلام،
وإذا انتقلنا إلى الدولة العباسية ستطالعنا صفحة جديدة من المجازر التى استولى بها العباسيون على السلطة وحافظوا عليها، فقد تعقب العباسيون الأمويين وقتلوهم جميعا بلا ذنب ولا محاكمة ونبشوا قبور الخلفاء الأمويين وعبثوا بجثثهم، انتقاما منهم.. الخليفة العباسى الثانى أبوجعفر المنصور قتل عمه عبدالله خوفا من أن ينازعه فى الحكم ثم انقلب على أبى مسلم الخرسانى. الذى كان سببا فى إقامة الدولة العباسية فقتله، أما أول الخلفاء العباسيين فهو أبوالعباس السفاح الذى سمى بالسفاح لكثرة من قتلهم من الناس، وله قصة شهيرة جمع فيها من تبقى من الأمراء الأمويين وأمر بذبحهم أمام عينيه ثم غطى جثثهم ببساط ودعا بطعام وأخذ يأكل ويشرب بينما لا يزالون يتحركون فى النزع الأخير ثم قال: «والله ما أكلت أشهى من هذه الأكلة قط».
أما من ناحية الالتزام الدينى، باستثناء بضعة ملوك اشتهروا بالورع فقد كان معظم الملوك الأمويين والعباسيين يشربون الخمر مع ندمائهم على الملأ كل ليلة.. 
فلسفة الحكم إذن لم يكن لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد، بل هى صراع شرس دموى على السلطة والنفوذ والمال لا يتورعون فيه عن شىء حتى لو كان الاعتداء على الكعبة وهدم أركانها.. فلا يحدثنا أحد عن الدولة الإسلامية الرشيدة، التى أخذت بالشريعة لأن ذلك ببساطة لم يحدث على مدى 14 قرناً، إلا لفترة 31 عاما فقط.. 
السؤال هنا: ما الفرق بين الحكم الإسلامى الرشيد، الذى استمر لسنوات قليلة، وبين ذلك التاريخ الطويل من الاستبداد باسم الإسلام؟..
 إنه الفرق بين العدل والظلم، بين الديمقراطية والاستبداد.. إن الإسلام الحقيقى قد طبق الديمقراطية الحديثة قبل أن يطبقها الغرب بقرون طويلة.. فقد امتنع الرسول «صلى الله عليه وسلم» عن اختيار من يخلفه فى حكم المسلمين، واكتفى بأن ينتدب أبا بكر لكى يصلى بالمسلمين بدلاً منه وكأنه (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يرسل الإشارة أنه يفضل أبا بكر لخلافته دون أن يحرم المسلمين من حقهم فى اختيار الحاكم.. وعندما توفى الرسول (صلى الله عليه وسلم) اجتمع زعماء المسلمين فى سقيفة بنى ساعدة ليختاروا الخليفة. هذا الاجتماع بلغتنا الحديثة اجتماع برلمانى بامتياز تداول فيه نواب المسلمين الأمر ثم انتخبوا أبا بكر ليتولى الحكم.. وقد ألقى أبوبكر على المسلمين خطبة قال فيها: «يا أيها الناس لقد وُلّيت عليكم ولست بخيركم.. أطيعونى ما أطعت الله ورسوله فإن عصيتهما فلا طاعة لى عليكم..».
هذه الخطبة بمثابة دستور حقيقى يحدد العلاقة بين الحاكم والمواطنين كأفضل دستور ديمقراطى.. نلاحظ هنا أن أبا بكر لم يقل إنه خليفة الله، ولم يتحدث عن حق إلهى فى الحكم، بل أكد أنه مجرد واحد من الناس وليس أفضلهم.. هذا المفهوم الديمقراطى الذى هو جوهر الإسلام ، حكى لنا التاريخ الإسلامى أنه سيستمر سنوات قليلة ثم يتحول إلى مفهوم آخر مناقض يعتبر الحاكم ظل الله فى الأرض وبالمناسبة حديث الحاكم ظل الله فى الأرض موضوع وفى أحسن رواياته ضعيف جداً . يقول معاوية بن أبى سفيان: «الأرض لله وأنا خليفة الله فما أخذت فلى وما تركته للناس بفضل منى».
ويقول أبوجعفر المنصور العباسى: «أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة (حماة) نحكمكم بحق الله الذى أولانا وسلطانه الذى أعطانا، وأنا خليفة الله فى أرضه وحارسه على ماله..».
ويقول عبدالملك بن مروان وهو يخطب على منبر النبى: «والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه».
كلمات لم يقلها الأنبياء .. إنما كان الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - يقول لإصحابه " إنما أنا ابن امرآة كانت تأكل القديد"
انقلب المفهوم الديمقراطى الذى يمثل جوهر الإسلام إلى حكم بالحق الإلهى يعتبر المعترضين عليه كفاراً مرتدين عن الدين يجب قتلهم. يقتضينا الإنصاف هنا أن نذكر حقيقتين: 
أولاً : أن الخلفاء الذين تولوا الحكم عن طريق القتل والمؤامرت كانوا فى أحيان كثيرة حكاما أكفاء، أحسنوا إدارة الدولة الإسلامية حتى أصبحت إمبراطورية ممتدة الأطراف. لكن طريقتهم فى تولى السلطة والحفاظ عليها لا يمكن بأى حال اعتبارها نموذجا يتفق مع مبادئ الإسلام.. 
ثانياً: إن الصراع الدموى على السلطة لم يقتصر على حكام المسلمين فى ذلك العصر، وإنما كان يحدث بين ملوك أوروبا بنفس الطريقة من أجل انتزاع العروش والمحافظة عليها.
الفرق أن الغربيين الآن يعتبرون هذه الصراعات الدموية مرحلة كان لابد من اجتيازها من أجل الوصول إلى الديمقراطية، بينما مازال بيننا نحن العرب والمسلمين من يدعو إلى استعادة نظام الخلافة الإسلامية، ويزعم أنها كانت عادلة تتبع شريعة الله. إن التاريخ الرهيب للصراع السياسى فى الدولة الإسلامية منشور ومعروف وهو أبعد ما يكون عن شريعة الإسلام الحقيقية، وقد احترت فى هذه الدعوة الغريبة إلى استعادة الخلافة الإسلامية فوجدت من يتحمسون لها نوعين من الناس: بعض المسلمين الذين لم يقرأوا التاريخ الإسلامى من أساسه، أو أنهم قرأوه وتهربوا من رؤية الحقيقة، لأن عواطفهم الدينية قد غلبت عليهم فأصبحوا بالإضافة إلى تقديس الإسلام يقدسون التاريخ الإسلامى نفسه، ويحاولون إعادة تخيله بما ليس فيه. أما الفريق الآخر من المنادين بالخلافة فهم أعضاء جماعات الإسلام السياسى الذين يلعبون على عواطف البسطاء الدينية من أجل أن يصلوا إلى السلطة بأى طريقة..
وهم يخيرونك عادة بين طريقين: إما أن توافق على صورتهم الخيالية عن الخلافة، وإما أن يتهموك بأنك علمانى عدو الإسلام.. إما أن تساعدهم على الوصول إلى الحكم عن طريق نشر أكاذيب وضلالات عن التاريخ، وإلا فإن سيف التكفير فى أيديهم سيهوون به على عنقك فى أى لحظة.
جوهر الإسلام العدل والحرية والمساواة.. وهذا الجوهر تحقق لفترة قصيرة عندما تم الأخذ بمبادئ الديمقراطية..
أما بقية تاريخ الحكم الإسلامى فلا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموى على السلطة يستباح فيه كل شىء، حتى ولو ضربت الكعبة وتهدمت أركانها.. هذه هى الحقيقة شئنا أم أبينا.
أما السعى لإنتاج تاريخ خيالى للخلافة الإسلامية الرشيدة فلن يخرج عن كونه محاولة لتأليف صور ذهنية قد تكون جميلة لكنها للأسف غير حقيقية
الطريق الوحيد للنهضة هو تطبيق مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة.. وهذه لن تتحقق إلا بإقامة الدولة المدنية التى يتساوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون، بغض النظر عن الدين والجنس واللون.
.. الديمقراطية الإسلامية هى الحل..

الخميس، 4 أغسطس 2011

إن فى ذلك لعبرة

بصراحة لقد عبر هذا المقال عن كل ما كنت أريد أن أقول :
كانت محاكمة تاريخية..لا شك في ذلك.. ولكنها كانت جنازة.. بالأحرى عملية تشييع لمرحلة هي الاكثر فساداً.. الاكثر اذلالاً ومهانة.. للدولة العربية الاعظم.. كنت اتأمل جمال وعلاء وهما يتحلقان حول سرير والدهما بقفص الاتهام وانا افرك عيني غير مصدق ما أراه.
احصّن نفسي، من اي تعاطف، بتقمص شخصيات الضحايا الذين سقطوا برصاص رجال الحبيب العادلي وزير داخلية العهد الديكتاتوري في حلقته الدموية الاخيرة، وذويهم الذين يطلبون العدالة من الجلادين حتى يطمئنوا الى ان ارواح ضحاياهم، فلذة اكبادهم لم تذهب سدى.
اللحظة التاريخية توثقت، ورموز الطغيـــان وقفوا في قفــــص الاتــهام على مرأى من العالم بأســـره، فالمهم الآن هو المحــكمة، اما الاحــكام فتــأتي لاحقا، واجراءات الوصول الى هذا الهــدف هي تفاصيل، ولذلك لن نتوقف مطلقا عند بعض الهنات، صغيرة كانت او كبيرة، مثل بعض الفوضى او التجاوزات او الاستعراضات، فضخامة الحدث تغفر للكثير من اعراضه الجانبية.
الشعب المصري هو البطل وهو الذي صنع هذه المعجزة، ولذلك يجب رد الفضل اليه وحده، فثورته المباركة هي التي اعادت تصحيح التاريخ، بل فصوله الأهم، وسجلت هذه السابقة التي يقف امامها الجميع مذهولين، ليس في مصر وحدها، وانما في كل دول العالم.

هذه النهاية المهينة المذلة يستحقها الرئيس المخلوع، وابناؤه، وكل بطانته الفاسدة، بل يستحق ما هو اسوأ منها، لانه اذل شعبا كريما عزيزا، اذل امة، اذل عقيدة، عندما احتقر الجميع، وتصرف كما لو انه إله متغطرس، يرفض ان يعترف بوجود شعب، او بكرامة أمة، او طهارة عقيدة.
يكفيه عارا انه في الوقت الذي يحاكمه شعبه بتهم القتل وسفك الدماء وسرقة المال العام، يكرمه الاعداء الاسرائيليون ويسردون مآثره العديدة في خدمتهم ومجازرهم في حق هذه الامة ومقدساتها وجزء عزيز من خيرة ابنائها.
يكفيه عارا ان صديقه بنيامين نتنياهو ومجموعة مجرمي الحرب المحيطين به، يريدون تسمية شوارع وميادين تخليداً لذكراه، وتقديراً لخدماته الجليلة التي قدمها لدولتهم الغاصبة، بالتواطؤ معهم في العدوان على قطاع غزة، وجنوب لبنان، وبيعهم لغاز الشعب المصري رخيصا لكي تمتلئ جيوب نجليه الجشعين وسماسرتهم بالمليارات، بينما هناك خمسون مليونا من ابناء شعبهم البسطاء الطيبين الذين لم يتعرفوا عليهم، ولم يعترفوا بوجودهم اساسا.
ليته تجاوب، اي الرئيس المخلوع، مع عرض صديقه الآخر بنيامين بن اليعازر، الوزير الاسرائيلي السابق، ولجأ سياسياً الى تل ابيب، فهناك مكانه الانسب، ووسط مريديه الحقيقيين، ولكنه للأسف رفض هذا العرض اعتقاداً منه، خاطئاً، بأنه لن يقف في قفص الاتهام مثلما رأيناه اليوم، معتمداً على 'إنجازاته' كقائد لسلاح الطيران اثناء حرب العاشر من رمضان اكتوبر عام 1973.
نعم، هناك انجازات ولكنها تبخرت وبسرعة بفعل ما تلتها من سيئات، فالسيئات تجبّ ما قبلها، خاصة اذا كانت خطايا يصعب غفرانها، وعلى رأسها سرقة عرق الشعب، والتفريط بأمنه القومي، والتحالف مع اعداء دينه وامته وعقيدته. ثم ان الانجاز ومهما طالت قامته، لا يعطي صاحبه تفويضا مفتوحا بقتل الابرياء وتكوين امبراطورية فساد هي الاضخم في البلد الافقر عربيا.
هذه المحاكمة ليست نهاية المطاف.. بل بدايته.. انها خطوة اولى لتلبية مطالب الشعب، فرضها بعناده الثوري، واعتصاماته المتواصلة، وهناك مطالب عديدة، قطعا ستتحقق الواحد تلو الاخر، طالما ان هناك من يرفض التنازل عنها مجتمعة او منفردة. فالشعب فوق الجميع، فما ادراك اذا كان شعبا مفجر ثورة وصانع تاريخ؟

زعيمان عربيان وقفا في قفص الاتهام في السنوات العشر الاخيرة، الاول حسني مبارك الذي خلعه، ثم حاكمه شعبه في محكمة عادلة، والثاني صدام حسين الذي اطاح به عدوان امريكا، الدولة الاعظم والاقوى في التاريخ، وجرى تقديمه الى محكمة مزورة تفتقر الى الحد الادنى من العدالة، ومنبثقة من رحم الاحتلال ومنفذة لأجنداته المعادية للعروبة والاسلام.
كان الراحل صدام حسين يقف في قفص الاتهام متأبطاً قرآنه، ومدافعاً شرساً عن كرامة امته وعقيدته، محاطاً بصقور حكمه، غير عابئ بالموت، او خائف من جلاديه الجدد واسيادهم، بينما يرقد نظيره مبارك ذليلاً على سريره منبوذاً من شعبه ومن امته.
الاول حظي بتعاطف الغالبية الساحقة من ابناء امتيه العربية والاسلامية، ونسبة كبيرة من ابناء شعبه، بينما يحظى الثاني بشماتة هؤلاء جميعاً، والمعيار كان وسيظل وطنياً صرفاً.
ذهب الرئيس الراحل صدام حسين الى المقصلة مرفوع الرأس، ثابتاً كالجبل، صلباً كالرمح، مردداً نشيد العروبة، مذكراً بوحدتها وقداسة ارضها، وعدالة قضاياها، وفلسطين على رأسها، بينما يذهب حسني مبارك الى زنزانته في مستشفاه ذليلاً كسيراً مع الحد الادنى من التعاطف.. تعاطف الفاسدين من بقايا دولته.
إنهار حكم الرئيس مبارك، وانهارت معه امبراطورية شرم الشيخ، ومعهما كل احلام الاسرائيليين في موضع قدم في قاهرة المعز، لن يتسللوا بعد اليوم الى هذا المنتجع الذي تحول الى وكر للمؤامرات على هذه الامة، وكل طلائعها الوطنية التي تريد استعادة كرامتها وحريتها، وتحريرها من الهيمنتين الامريكية والاسرائيلية.
مثول الرئيس المخلوع في قفص الاتهام رغم الضغوط العربية والخليجية المتعاطفة للحيلولة دون ذلك، يؤكد ان مصر استعادت واكدت قرارها المستقل، واعادت التأكيد مجدداً بأن سيادتها ليست للبيع أو الارتهان مثلما حصل طوال السنوات الاربعين الماضية.
هنيئاً لشعب مصر هذا الانجاز العظيم، وهنيئاً لثورته هذا الانتصار، ولضحاياها هذا القصاص الحضاري العادل من طاغية تصور انه ونسله فوق كل القوانين، والاعراف فاستحق ما لحق به من إهانات وإذلال.

مقال عبد البارى عطوان فى القدس 4/8/2011
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\03z999.htm&arc=data\2011\08\08-03\03z999.htm

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

لمن اعتبر

إلى كل من يتعاطف أو يمالىء أو يداهن مبارك وإلى كل من ينادى بعد محاكمته وإلى كل يصدرون مثل هذا الهراء .. هذا ما فعله مبارك فى المصريين
{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} {البقرة/179}