السبت، 3 أبريل 2010

هل تستطيع يا برادعى



أبناء الوطن الواحد


هناك أشياء تدعوك للتأمل بعفوية وبدون سابق تخطيط وتجرك إلى موضوعات ربما تحاول الابتعاد عن التفكير فيها دائما لأنها من الآخر بتوجع القلب.


ركبت هذا الصبح أحدى سيارات الأجرة . وأنا لا أمتلك سيارة وليست من أحلامى . وكطبع كل المصريين سريعى الائتلاف بدأ السائق يتحدث فى الأمور العامة التى تبدأ عادة بسوء الأوضاع الاقتصادية ثم انتقل مباشرة إلى مشاكله الشخصية ومعاناته فى الحصول على الرزق وتنقل فى تسلسل غريب بين كل أنواع المشاكل التى تخطر لك على بال بداية من شراء الخبز فى الصباح لأمه وأخوته وانتهاء بالضرائب التى يدفعها عند تجديد السارة وكيف أنه تم زيادة قيمة وثيقة التأمين على الرغم من وضع حد أقصى لقيمة التعويض .. حاجة غريبة .. وزيادة قيمة اشتراك التأمينات وزيادة الضريبة وزيادة مصروفات التجديد وثمن شنطة الإسعافات .. واستمر فى سرد مشاكله ومعاناته وكأنه اجتمع فيه كل مشاكل المواطن المصرى .. وبدون مبالغه وأنا أصدقه .. لأن كل ما قاله هو فى الحقيقة جرعة يومية للغالب الأعم من المواطنين ..


كل هذا حتى الآن يعد من الأمور العادية التى ألفنا سماعها واعتدناها كمرادف شرطى لحياة المصرى .. ولكن اللافت فيما قاله .. وهذه عباراته .. يعنى السبت اللى فات سحبوا منى الرخص واتعطلت ثلاثة أيام لحد ما جبتها بعد ما دفعت مية جنية وعلى يوم الخميس سحبوها تانى ولسه ماجبتهاش لحد دلوقتى .. بيقولوا أن الضباط بياخدوا نسبة من الفلوس اللى بيحصلوها .. عارف يا أستاذ أنا اللى مزعلنى ايه مش الفلوس لكن معاملتهم اللى زى الزفت كل واحد يتأمر عليك شوية .. أى أمين شرطة يعمل عليك ظابط لو ما فتحتش مخك وإذا ما كانش معاك ما تاخدش غير الأهانه ويرضه ياخدوا الفلوس. يعنى الحكومة مش مشاركانى فى العربية لا ده أنا شغال عندهم على عربيتى من غير حتى متشكرين .. من يومين إشارة قصر الثقافة قفلت علينا فوقفنا جت عربية من ورا وكسرت الإشارة وعدت ولا حياة لمن تنادى .. طبعاً العربية مفومة الإزاز وتلاقية ابن حد مسئول ولا حد كلمه .. وأنت بتشوف العيال دول طول النهار يجروا بالعربيات فى الشوارع وكلهم مركبين سرايين ذى بتاع الشرطة والإسعاف .. دى بقت فوضه ما لهاش اصحاب.


كلامه هذا جعلنى أتساءل ألسنا أبناء وطن واحد


ما سبب تعالى بعضنا على البعض وليس هناك فى الأساس مدعاة للتعالى ، لأن كلنا كما يقال فى الهم شرق ، وإن كان التعالى يجد له مبررا إذا كان من طبقة أصحاب السلطة والمال فلماذا يتعالى أبناء الطبقة المتوسطة بعضهم على بعض


بحثت عن السبب وجدتنى أخوض فى غمار أعماق أسباب كثيره الفقر الجهل الزحام تزايد السكان تدهور التعليم تراجع الأخلاق تقهقر دور المسجد والكنيسة البطالة المحسوبية جشع التجار الاحتكار1 ترسانة قوانين أصحاب المصالح ، انعدام جدوى الأجهزة الرقابية ، انعدام الرقابة البرلمانية ، سيطرة الحزب الوطنى على الأغلبية النيابية وهشاشة الفكر البرلمانى وانعدام رؤية المصلحة الوطنية الهجمة التتارية على الموروث الفكرى والحضارى المصرى فى الفضائيات ، انعدام الرؤية التخطيطية والمنهجية للمستقبل ، فشل الأداء الحكومى وغيابه عن الواقع وركونها إلى معالجة النتائج كردود أفعال ، فساد المناخ العام ولكنها جميعا انصبت فى منبع واحد هو الفساد


هذه الأنات التى صرخ بها السائق بحرقه بصوت مكتوم هى النتاج الطبيعى للمناخ الفاسد ، ودائما حتى يعيش الفساد يقضى على كل ما هو ذو قيمة فى كل مجالات الحياة ، الفساد يحب ألا تعلم عنه شى لذلك يعمل على أن يغمى عينيك ويسفه ثقافتك ويدفعك إلى التمسك بتوافه الأمور ، كما فى مسرحية فيروز الرائعة ( المحطة) يرتفع صوت الفساد .. أقتلوا المحطة ، الفساد لا يحاسب المخطىء ولا يحاسب المرتشى ولا يحاسب المهمل ولا يحاسب المختلس ، وإن كان فى بعض الأحيان يصرخ فى وجوههم ولكن ليس ليخيفهم أو يردعهم ولكن لتسمعه أنت وتعتقد أنه هناك محاربة للفساد على غير الحقيقة ، الفساد لا يسوى بين أبناء الوطن الواحد فى أى من الأمور ، الفساد يسن القوانين ليس من أجل الإصلاح ولكن لتطبق على الغلابة فقط ..


النتيجة .. هل يمكن القضاء على الفساد .. طبعاً لأن القضاء على الفساد لا يحتاج إلى اختراع ، فكم من بلدان كثيرة كان ينخر سوس الفساد فى عظامها واستطاعت أن تقضى عليه . وعلى مدى التاريخ كم من رجل أحيا أمة .. هل تستطيع يا برادعى.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق