السبت، 3 سبتمبر 2011

أنكر الأصوات



أنكر الأصوات
{ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } {لقمان/19}صدق الله العظيم
الحمير من مخلوقات الله ذات الفائدة العظيمة التى أدت دوراً هاما فى بناء الحضارات  والتطور الإنسانى .. فلماذا ذكرت الآية الكريمة إن صوتها أنكر الأصوات .. الموضوع ليس حطاً من قدر الخلقة ولا تقليل من قيمة الحيوان .. ولكن لأن الحمير حين تنهق فإنها تطلق صوت عالى جهورى مزعج بعض الشىء وغير مفهوم – لنا - وفى الغالب يكون النهيق بلا هدف واضح – أيضا لنا على ألأقل -  أو لم ينبعث عن سبب محسوس
والمراد أن الآية الكريمة تضرب لنا مثلاً يحث الإنسان على احترام نعمة الصوت والأقتصاد فى مساحة الكلام وارتفاع نبرات الصوت لأن العبرة ليست بارتفاع الصوت وإلا كان التفوق سيكون للحمار الذى هو بالأكيد أعلى صوتا من الإنسان وإنما العبرة بالمعانى التى تقال والمنبع أو المرجع الذى تساق الكلمات للتعبير عنه ومدى تحقيقها لهذا الغرض ونقل المعنى الحقيقى للمتلقى من أقصر باب وتحقيق المراد من غرض الكلام الذى ميز الله به الإنسان على كافة المخلوقات.
إذاً كيف نفسر ما يدور الأن فى المجتمع من تبارى فى رفع الأصوات ومحاولة كل صوت أولا وقبل كل شىء التشويش على ما عداه من الأصوات .. مباراة  يا محترم فى الكلام أو مكلمة على رأى من قال هذا .. والنتيجة صفر .. لا إنها فى الحقيقة نتيجة بالسالب
لماذا ؟؟؟
ممكن تقول إن غياب مناخ الحرية فتح باباً كان مغلقاً لسنوات طويلة ووضع الناس لأول مرة أمام تجربة الحرية وبالتالى فالكل يسارع بل ويحب أن يسارع لمارسة هذه الحرية من منطلق الممارسة فقط  وليس عن رغبة فى توصيل فكرة أو نقد رأى أو طرح مبادرة  
ممكن تقول أن أحلام الناس كثيرة بعد الثورة وأمالهم عربضة وما توقعونه أكثر بكثير مما تحقق فاذاد الحنق العام وتفلتت الكلمات .. وساد مناخ التشكك فأصبح الكل عند الكل بلا مصداقية والتخوين والتخويف سيد الموقف وفى كل خرابة عفريت
ممكن تقول إن ما يحدث هذا مقصود من البعض عن عمد حتى نصل على كل ما استنتجته .. كل هذا ممكن أن يكون نتيجة للسبب الحقيقى .
طيب ما هو السبب الحقيقى .. أقولك – حسب تقديرى .. وربما أكون مخطئاً – السبب أننا كأعضاء فى المجتمع لم نتربى على فكرة الحوار ولم نتعلم ونتلقى كيفية والقدرة على التفكير وقبل هذا لم نتعرف على مصادر المعرفة ولم تزرع فينا كأفراد مفردات وأسس تكوين القاعدة المعرفية ومصادر الحصول عليها ثم كيفية استخدامها فى الوصول إلى تحليل منطقى ووزن الأراء والخروج بنتيجة مما نسمع أو نقرأ .. بل الأعجب من لك لم نتعلم وبالتالى لا نمارس تمرير الأفكار ( ما نسمعه أو نشهده ) إلى العقول والتفكر فيها أولاً للتمييز بين ما يمكن ان يصدق وما هو مستحيل على التصديق وما هو من حزب ربما ؟؟
ببساطة زمااااااااااااان - مش زمان قوى - كان أغلب أهلنا أميين بسطاء ولكن كان لديهم المقدرة على التمييز بين الصح والخطأ والتمييز بين الصالح والطالح ومعرفة ما هو فى مصلحتهم وما هو ضدها .. عارف ليه لأنهم ورغم أن مصادر المعرفه عندهم كانت بسيطة ومتواضعة إلا أنها كانت صادقة مثلاً كان الكتاب المعلم الأول وشيخه وعريفه مراجع حقيقية فى العلم والشعر والتاريخ والسيرة .. كان لكل بلد كبير رجل حكيم نزيه عفيف الطباع يحكم بالسوية بلا هوى والكل يطيع كان شيخ الجامع ورع تقى لا يحابى ولا يجامل وإذا أفتى لاينتظر المقابل ومثله تماما واعظ الكنيسة المتبتل المتقش .. المدرس فى المرسة نموزج لكل شىء حسن وجميل وإن كان قاسياً فى بعض الأحيان .. قيم الأخلاق والكرامة وعزة النفس كان الطفل يرتضعها مع لبن الأم ويراها تمارس أمامه فى النمازج المحيطة ولو كان حتى نموذج السيد عبد الجواد الذى كان نموذجا وقدوة فى البيت بينما ماخفى كان أعظم .. المقصود أن مصادر المعرفة والأمثله المقتدى بها كلها كانت عوامل إيجابية لتكوين عقول ونفوس معتدله سوية وإن كانت بسيطة فى حظها المعرفى والتعليمى .
تعالى إلى ما حدث معنا على مدى عصور على يد اللى ينخلع اسمه من الدنيا كما انخلع عن حكم البلاد .. خذ كل ما تحدثنا عنه من إيجابيات عاشها أبائنا واقلبها رأسا على عقب .. بل أن الترويج لعكسها وانتهاج تحطيم وطمس أى معلم أو فكرة تؤدى إلى تطور وتحرر العقول كان هو السائد تماما وفقاً لخطة جهنمية ضربت فى الصميم مؤسسات صنع الفكر والحضارة .. ولن نتكلم عن تقزيم الأزهر وتحويل الإعلام إلى خيال مآته وأرجوزات .. وإنما كانت الطاهة الكبرى فى التعليم .. أليست مصيبة أن يكون أربعون ف المائة من سكان مصر لا يقراوون ولا يكتبون .. يتلقون معلوماتهم من الأعلام المهرج بوق الحاكم .. أليست مصيبة أن ثلث من يتلقون التعليم الألزامى يتسللون بعد ذلك خارج منظومة التعليم دون أن يحصلوا على أى قدر من التعليم ولا يفكون الخط .. أليست مصيبة أن من يتخطى التعليم الألزامى وينتقل للمرحلة الأعدادية الأغلبية العظمى منهم لا يعرفون القرأة والكتابة ويتم إلحاقهم فى فصول لتعلم القرأة والكتابة من جديد . أليست مصيبة أن من يتخروجن من الجامعة الكثير منهم لا يحسنون الكتابة والقراة وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا كتبوا يخئون فى الإملاء.. أليست مصيبة أن يتحول التعليم الفنى والصناعى إلى مدارس للبلطجية ومتعاطى المخدرات ويتحول خريجيها إلى قنابل متحركة فى المجتمع لايتقنون صنعة ولا يحسنون حديثا ويبحثون عن راتب بلا عمل فى أى مكان .. أليست مصيبة أن خريجى الجامعات يمزقون الكتب الجامعية بعد أداء الأمتحان ولا يتذكرون شيئاً مما كابدوه من علم خلال أربعة سنوات .. ومن يرد منهم أن يعمل يتوجد إلى الجامعة الأمريكية والمعاهد الخاصة للحصول على دورات تأهيلية في تخصصاته التى قضى فيها أربعة سنوات فى الجامعة بلا طائل
أليست مصيبة أن تكون أجيال بكاملها لا تعرف إلا أسلوب جيب من الأخر .. ليس لديه مقدرة على الإستماع لعدة جمل متتالية ولا يستطيع أن يتابعها ليستخلص منها ما تريد أن توصله له من أفكار .. وإذا جاملك واستحى أن يقول لك جيب من الأخر لا يفهم عنك شيئا ويطلب منك بمنتهى البساطة : يعنى المطلوب أيه .. وهو لا يستحى من أنه لم يدرك ما تقول رغم وضوحة
أجيال بكاملها لم تتعلم أن تقرأ فنشأت لاتحب أن تقرأ وتستسهل الحصول على المعلومة من المصادر السهلة المتاحة التى هى الأعلام المسموم الموجه لتدمير العقول
فى الدول المتقدمة خاصة أوربا وأمريكا .. لا تجد من يجلس فى المترو أو الباص دون جريدة أو كتاب .. بدلاً من أن يضيع الوقت هدراًفى أحاديث  وثيقة الصلة بالنمية. . التعليم فى هذه البلدان يوجه التلاميذ فى المرحلة الأبتدائية إلى القراءة وابتكار موضوعات مستخلصة من تلك القراءة حتى يتعرف الطفل على مصادر المعلومات وكيف يصل إليها ويشعر بقيمة عقله عندما يستخلص منها موضوعا يقوم بعرضه فى ورقة بحث أو أمام زملاءه فى الفصل
فتنتج هذه المجتمعات عقول قادرة على الفرز لا يستطيع فكر أسود التسلل إليها .. بينما انتج مجتمعنا عقول سهلة الأختراق تصدق ما يقال وتؤمن به خصوصاً إذا جاءها من وراء ميكرفون أو من أعلى المنبر أو من خلف المذبح .. وتردد كل ذلك بإيمان شديد وكأنه نزل فى الكتب السماوية .. ويتبنون مفاهيم وكلمات لا يعلمون عن حقيقتها شيئا ويتحدثون فى قضايا لم يخبروها وربما هى فى حقيتها تستعصى على المتخصصين يقضون فيها برأيهم وكأنهم العالمين ببواطن الأمور ويخرجون علينا بمفاهيم  - ما أنزل الله بها من سلطان - لكلمات كالمواطنة، الليبرالية، المدنية، العلمانية، البرلمانية، بل .. والديمقراطية (التى عرفها أحد شيوخ السلفيين من فوق المنبر بأنها تعنى أن أمك لا ترتدى الحجاب .. وأنها إباحة زواج المثليين!)
هذه الحالة  - نعم - هى نتاج غياب دور مجتمعى مسئول و نظام ديكتاتورى فاسد ونخبة متعالية .. وضحيته المواطن .. ونتيجته ما نعانيه الأن من نهيق عالى  ؟؟؟
إلا أن استمرار الحال على هذا المنوال بالحتم سيؤدى إلى نتائج مفزعة لأن الجهل بقضايا هامة كالمبادئ الأساسية للدستور وحقوق الإنسان والحريات المدنية والسياسية وغرس مفاهيم مغلوطة وخاطئة عنها فى عقول الأتباع والمريدين تؤدى فى النهاية إلى تقسيم المجتمع إلى فرق مختلفة وتدفع البعض إلى تكفير المختلفين معهم فى الرأى ولايتورع كل فريق من الإعلان عن ذلك بكل الوسائل والسبل لأعلاء أصواتهم فوق أصوات الأخرين ..
الأن عرفت الحكمة من وراء الآية الكرية .. " ...  وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ "
            والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق